الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير
.الحديث السَّابِع عشر: قَالَ الرَّافِعِيّ: «والأحب أَن لَا يزِيد فِي التَّلْبِيَة عَلَى تَلْبِيَة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم والتلبية: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك، لبيْك لَا شريك لَك لبيْك، إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك وَالْملك، لَا شريك لَك».هَذَا صَحِيح فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن تَلْبِيَة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه...» فَذكرهَا كَذَلِك، وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ من حَدِيث عَائِشَة مثله إِلَى قَوْله «وَالنعْمَة لَك» وَفِي صَحِيح مُسلم، عَن جَابر مثله كَامِلا وَقد سلف بِطُولِهِ. قَالَ الرَّافِعِيّ: «وَكَانَ ابْن عمر يزِيد فِيهَا: لبيْك لبيْك وَسَعْديك، وَالْخَيْر بيديك لبيْك، وَالرغْبَاء إِلَيْك وَالْعَمَل» هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أخرجهَا مُسلم فِي صَحِيحه كَذَلِك فِي آخر الحَدِيث الْمَرْفُوع، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ: «وَكَانَ ابْن عمر يزِيد فِيهَا: لبيْك لبيْك لبيْك وَسَعْديك، وَالْخَيْر فِي يَديك لبيْك، وَالرغْبَاء إِلَيْك وَالْعَمَل» وَفِي بعض نسخ مُسلم بِخَط بعض الْحفاظ ذكر التَّلْبِيَة ثَلَاث مَرَّات أَيْضا.فَائِدَة: قد تكلمنا عَلَى لفظ التَّلْبِيَة فِي غير هَذَا الْكتاب، فأغنى عَن ذكره هُنَا، وَتكلم الرَّافِعِيّ عَلَى قَوْله: «إِن الْحَمد» فَقَالَ: قد تكسر عَلَى الِابْتِدَاء، وَقد تفتح عَلَى مَعْنَى: لِأَن الْحَمد. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَاخْتَارَ ثَعْلَب الْكسر، وَقَالَ الْخطابِيّ: إِنَّه الْأَحْسَن وإِن الْفَتْح رِوَايَة الْعَامَّة. وَذكر فِي الرَّوْضَة أَن الْكسر أصح وَأشهر. وَاخْتِيَار الشَّافِعِي الْفَتْح كَمَا نَقله الزَّمَخْشَرِيّ فِي آخر تَفْسِير سُورَة يس حَيْثُ كسر أَبُو حنيفَة وَفتح الشَّافِعِي. وَقَوله: «وَالنعْمَة» هِيَ بِالنّصب عَلَى الْمَشْهُور، وَيجوز رَفعهَا. وَقَوله: «وَسَعْديك» أَي: مساعدة بعد مساعدة. قَالَ الْحَرْبِيّ: وَلم يسمع بسعديك مُفردا. وَقَوله: «والرَغباء إِلَيْك» رُوِيَ بِفَتْح الرَّاء وَضمّهَا، فَمن فتح مد، وَمن قصر ضم، كالنَعماء والنُّعمى، وَمَعْنَاهُ هُنَا الطّلب وَالْمَسْأَلَة..الحديث الثَّامِن عشر: قَالَ الرَّافِعِيّ: «فَإِن رَأَى شَيْئا يُعجبهُ، قَالَ: لبيْك، إِن الْعَيْش عَيْش الْآخِرَة» ثَبت ذَلِك عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتَهَى.كَذَا ذكره الرَّافِعِيّ بِلَفْظ الثُّبُوت، وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وقف بِعَرَفَات، فَلَمَّا قَالَ: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك، قَالَ: إِنَّمَا الْخَيْر خير الْآخِرَة» قَالَ الْحَاكِم: قد احْتج البُخَارِيّ بِعِكْرِمَةَ، وَمُسلم بِدَاوُد، وَهَذَا الحَدِيث صَحِيح وَلم يخرجَاهُ. وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن شَيْخه الْحَاكِم، عَن أبي أَحْمد يُوسُف بن مُحَمَّد، عَن ابْن خُزَيْمَة، عَن نصر بن عَلّي الْجَهْضَمِي، عَن مَحْبُوب بن الْحسن، عَن دَاوُد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب بِعَرَفَات، فَلَمَّا قَالَ: لبيْك...» الحَدِيث، وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، عَن عِكْرِمَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «نظر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حوله وَهُوَ وَاقِف بِعَرَفَة، فَقَالَ: لبيْك...» فَذكره وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن سعيد- هُوَ ابْن سَالم- عَن ابْن جريج، أَخْبرنِي حميد الْأَعْرَج، عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يظْهر من التَّلْبِيَة: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك لبيْك لَا شريك لَك لبيْك، إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك وَالْملك، لَا شريك لَك. قَالَ: حَتَّى إِذا كَانَ ذَات يَوْم وَالنَّاس يصرفون عَنهُ- كَأَنَّهُ أعجبه مَا هُوَ فِيهِ- فَزَاد فِيهَا: لبيْك إِن الْعَيْش عَيْش الْآخِرَة» قَالَ ابْن جريج: وحسبت أَن ذَلِك كَانَ يَوْم عَرَفَة. وَسَعِيد هَذَا هُوَ القداح، وَقد وَثَّقَهُ ابْن معِين وَلينه غَيره، وَهُوَ مُرْسل أَيْضا، وسمَّاهُ الْمُنْذِرِيّ مُنْقَطِعًا، وَفِي الْأُم: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ ذَلِك فِي أسرّ حَاله؛ وَفِي أَشد حَاله، فَأَما الأشد فَفِي حفر الخَنْدَق، وَأما الأسرّ فحين وقف بِعَرَفَات وَرَأَى جَمِيع الْمُسلمين. وَسَيَأْتِي هَذَا فِي الخصائص من النِّكَاح وَاضحا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.فَائِدَة: مَعْنَى «إِن الْعَيْش عَيْش الْآخِرَة»: إِن الْحَيَاة الْمَطْلُوبَة الهنية الدائمة هِيَ حَيَاة الدَّار الْآخِرَة..الحديث التَّاسِع عشر: رُوِيَ فِي بعض الرِّوَايَات «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ فِي تلبيته: لبيْك حقًّا تعبدًا ورقًّا».هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَزَّار فِي مُسْنده، فَقَالَ: سَمِعت بعض أَصْحَابنَا يحدث عَن النَّضر بن شُمَيْل، نَا هِشَام بن حسان، عَن ابْن سِيرِين، عَن أَخِيه، عَن أنس، قَالَ: «كَانَت تَلْبِيَة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لبيْك حجًّا حقًّا، تعبدًا ورقًّا» ثمَّ أخرجه بِسَنَدِهِ مُتَّصِلا عَن فعل أنس ثمَّ قَالَ: لم يحدث يَحْيَى بن سِيرِين عَن أنس إِلَّا بِهَذَا الحَدِيث. وَسُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أنس بن سِيرِين، عَن أنس، قَالَ: «سَمِعت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُلَبِّي: لبيْك حجًّا حقًّا، تعبدًا ورقًّا» فَأجَاب فِي علله بِأَن قَالَ: يرويهِ هِشَام بن حسان وَاخْتلف عَنهُ، فَرَوَاهُ النَّضر بن شُمَيْل، عَن هِشَام عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أَخِيه يَحْيَى، عَن أَخِيه أنس، عَن أنس، وَرُوِيَ عَن الْفضل بن مُوسَى نَحْو هَذَا، وَرَوَاهُ يَحْيَى بن يمَان، عَن هِشَام بن حسان، عَن حَفْصَة بنت سِيرِين، عَن أُخْت لَهَا، عَن أنس، قَالَت: عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: لَا. وَرَوَاهُ يَحْيَى الْقطَّان وروح بن عبَادَة وَحَمَّاد بن زيد، عَن هِشَام، عَن حَفْصَة، عَن يَحْيَى بن سِيرِين، عَن أنس بن مَالك فعله وَقَوله. وَرَوَاهُ الثَّوْريّ، عَن هِشَام، عَن أم الْهُذيْل، عَن أنس قَوْله. قَالَ: وَالصَّحِيح من ذَلِك قَول حَمَّاد بن زيد وَيَحْيَى الْقطَّان. ثمَّ قَالَ: نَا مُحَمَّد بن مخلد، نَا يَحْيَى بن مُحَمَّد بن أعين الْمروزِي، نَا النَّضر بن شُمَيْل، نَا هِشَام بن حسان، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أَخِيه يَحْيَى بن سِيرِين، عَن أَخِيه أنس بن سِيرِين، عَن أنس بن مَالك سَمِعت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «لبيْك حجًّا حقًّا، تعبدًا ورقًّا» وَهَذِه غَرِيبَة عَايَا بهَا بَعضهم، فَقَالَ: ثَلَاثَة إخْوَة، رَوَى بَعضهم عَن بعض. وَرَوَاهُ ابْن طَاهِر الْمَقْدِسِي الْحَافِظ فِي تَخْرِيجه لأبي مَنْصُور عبد المحسن بن مُحَمَّد بن عَلّي الْبَغْدَادِيّ بِزِيَادَة أَخ رَابِع، وَهُوَ معبد أَخُو يَحْيَى وَأنس..الحديث العشْرُونَ: رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا فرغ من تلبيته فِي حج أَو عمْرَة سَأَلَ الله رضوانه وَالْجنَّة، واستعاذ برحمته من النَّار».هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن صَالح بن مُحَمَّد بن زَائِدَة، عَن عمَارَة بن خُزَيْمَة بن ثَابت، عَن أَبِيه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا فرغ من تلبيته سَأَلَ الله رضوانه وَالْجنَّة واستعفاه برحمته من النَّار» كَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: تَابعه عبد الله بن عبد الله الْأمَوِي، عَن صَالح. قَالَ الشَّافِعِي: وَأَنا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد «أَنَّ القاسمَ بن مُحَمَّد كَانَ يَأْمر إِذا فرغ من التَّلْبِيَة أَن يصلى عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ عبد الله الْأمَوِي، عَن صَالح، عَن الْقَاسِم قَالَ: «كَانَ يُؤْمَر...» وَاقْتصر الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَلَى مُتَابعَة عبد الله الْأمَوِي وَلَفظه: «سَأَلَ الله رضوانه ومغفرته، واستعاذ برحمته من النَّار» قَالَ صَالح: وسمعتُ الْقَاسِم بن مُحَمَّد يَقُول: «كَانَ يُؤْمر إِذا فرغ من تلبيته أَن يصلى عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم» وَكَذَا سَاقه الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه سَوَاء، وَكَذَا الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه وَقَالَ: «استعتقه من النَّار» وَعَزاهُ صَاحب الإِمام إِلَى رِوَايَة أبي ذَر الْهَرَوِيّ بِلَفْظ الْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ، وَإِبْرَاهِيم شيخ الشَّافِعِي قد عرفتَ حَاله فِي أول الْكتاب فِي حَدِيث المشمس، وَصَالح بن مُحَمَّد بن زَائِدَة قَالَ أَحْمد: مَا أرَى بِهِ بَأْسا. وَضَعفه يَحْيَى وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان، وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَعبد الله الْأمَوِي قَالَ الْعقيلِيّ: لَا يُتَابع عَلَى حَدِيثه. وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته، وَقَالَ: يُخَالف فِي رِوَايَته..الحديث الحَادِي بعد الْعشْرين: «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يحرم غسل رَأسه بأشنان وخطمي».هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه بِهَذَا اللَّفْظ من رِوَايَة عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، وَفِي إِسْنَاده: عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، وَفِيه لين، وَقد أسلفنا أَقْوَال الْأَئِمَّة فِيهِ فِي بَاب الْوضُوء هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.وَذكر فِيهِ من الْآثَار أثر عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه رَأَى عَلَى طَلْحَة ثَوْبَيْنِ مصبوغين وَهُوَ حرَام، فَقَالَ: أَيهَا الرَّهْط، إِنَّكُم أَئِمَّة يُقْتَدَى بكم؛ فَلَا يلبس أحدكُم من هَذِه الثِّيَاب المصبغة فِي الْإِحْرَام».وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ، عَن نَافِع أَنه سمع أسلم مولَى عمر بن الْخطاب يحدث عبد الله بن عمر «أَن عمر بن الْخطاب رَأَى عَلَى طَلْحَة بن عبيد الله ثوبا مصبوغًا وَهُوَ محرم، فَقَالَ عمر: مَا هَذَا الثَّوْب الْمَصْبُوغ يَا طَلْحَة؟! فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّمَا هُوَ مدر. فَقَالَ عمر: إِنَّكُم أَيهَا الرَّهْط أَئِمَّة يَقْتَدِي بكم النَّاس، فَلَو أَن رجلا جَاهِلا رَأَى هَذَا الثَّوْب لقَالَ إِن طَلْحَة بن عبيد الله كَانَ يلبس الثِّيَاب المصبغة فِي الْإِحْرَام؛ فَلَا تلبسوا أَيهَا الرَّهْط شَيْئا من هَذِه الثِّيَاب المصبغة».وَذكر فِيهِ من الْآثَار، عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَنه قَالَ: «لَا يُلَبِّي الطَّائِف».وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِنَحْوِهِ بِإِسْنَادِهِ عَن مَالك، عَن ابْن شهَاب أَنه كَانَ يَقُول: «كَانَ عبد الله بن عمر لَا يُلَبِّي وَهُوَ يطوف حول الْبَيْت»..باب دُخُول مَكَّة وَمَا يتَعَلَّق بِهِ: ذكر فِيهِ أَحَادِيث وآثارًا:.أما الْأَحَادِيث: فستة وَتسْعُونَ حَدِيثا:.الحديث الأول: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام دخل مَكَّة ثمَّ خرج مِنْهَا إِلَى عَرَفَة».هَذَا حَدِيث صَحِيح مَشْهُور مستفيض عَنهُ وَمن ذَلِك حَدِيث جَابر الطَّوِيل السالف، وَكَذَلِكَ فَعَله الْخلف وَالسَّلَف..الحديث الثَّانِي: عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَنه كَانَ لَا يقدم مَكَّة إِلَّا بَات بِذِي طوى حَتَّى يصبح ويغتسل، ثمَّ يدْخل مَكَّة، وَيذكر أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَفْعَله».هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد تقدم فِي بَاب: سنَن الْإِحْرَام وَهُوَ الحَدِيث الثَّالِث مِنْهُ.فَائِدَة: طوى مثلث الطَّاء، حكاهن صَاحب الْمطَالع وجماعات قَالُوا: وَالْفَتْح أَجود وَهُوَ مَقْصُور، وَلَا يجوز مَدّه قَالَ صَاحب الْمطَالع: وَوَقع فِي كتاب الْمُسْتَمْلِي ذُو الطواء مَمْدُود وَيصرف وَلَا يصرف، قيل: سُمِّي بذلك؛ لِأَن بِئْرهَا كَانَ مطويًّا بِالْحِجَارَةِ فنُسِب الْوَادي إِلَيْهَا وَهُوَ مَوضِع عِنْد بَاب مَكَّة من أَسْفَلهَا فِي طَرِيق الْعمرَة الْمُعْتَادَة من مَسَاجِد عَائِشَة بَين الثَّنية السُّفْلَى والعليا..الحديث الثَّالِث: «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يدْخل مَكَّة من الثَّنية الْعليا وَيخرج من الثَّنية السُّفْلَى».هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل مَكَّة من كداء من الثَّنية الْعليا الَّتِي عِنْد الْبَطْحَاء وَخرج من الثَّنية السُّفْلَى» هَذَا لفظ البُخَارِيّ، وَفِي رِوَايَة لَهُ وَلمُسلم عَنهُ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يخرج من طَرِيق الشَّجَرَة وَيدخل من طَرِيق المعرس» زَاد البُخَارِيّ: «وَأَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا خرج إِلَى مَكَّة يُصَلِّي فِي مَسْجِد الشَّجَرَة فَإِذا رَجَعَ صَلَّى بِذِي الحليفة بِبَطن الْوَادي وَبَات حَتَّى يصبح» وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «وَإِذا دخل مَكَّة يدْخل من الثَّنية الْعليا الَّتِي بالبطحاء وَيخرج من الثَّنية السُّفْلَى» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «الْعليا الَّتِي بالبطحاء» وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «دخل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفَتْح من كداء الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّة» وَفِي رِوَايَة لَهما: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لما جَاءَ إِلَى مَكَّة دَخلهَا من أَعْلَاهَا وَخرج من أَسْفَلهَا» وَفِي بعض طرق البُخَارِيّ: «دخل من كداء وَخرج من كداء من أَعلَى مَكَّة»كداء عِنْده بِالضَّمِّ فِي الأولَى وَالْفَتْح فِي الثَّانِيَة كَمَا نَقله عبد الْحق، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا مقلوب، وكداء بِالضَّمِّ إِنَّمَا هِيَ السُّفْلَى. وَهُوَ كَمَا قَالَ.فَائِدَة: أصل الثَّنية فِي اللُّغَة: الطَّرِيق الضّيق بَين الجبلين، وَأما كداء الْعليا فَهِيَ بِفَتْح الْكَاف وبالمد مَصْرُوف، وَوَقع فِي الإِمام للشَّيْخ تَقِيّ الدَّين أَنه غير مَصْرُوف وَأَنه مَمْدُود، وَأما السُّفْلَى فبالضم وَالْقصر والتنوين. وَقَالَ الرَّافِعِيّ: الَّذِي يشْعر بِهِ كَلَام المصنفين: أَن السُّفْلَى أَيْضا بِالْمدِّ، ورد عَلَيْهِ ذَلِك النَّوَوِيّ، وَقَول الرَّافِعِيّ وَيدل عَلَيْهِ أَنهم كتبوها بِالْألف، وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّهَا بِالْيَاءِ، وَرَوَى فِيهِ شعرًا.قلت: استدلاله بِالْكِتَابَةِ عَجِيب، فَإِن الْكِتَابَة بِالْألف لَا تَسْتَلْزِم أَن يكون ممدودًا؛ بل كل مَقْصُور لَا يمال كَمَا يعْصَى وَنَحْوه بِالْألف، وَكَذَلِكَ مَا أميل أَيْضا. وَكَلَامه فِي الشَّرْح الصَّغِير ظَاهر فِي تَرْجِيح الْقصر، وَهُوَ الصَّوَاب الَّذِي قطع بِهِ الْمُحَقِّقُونَ.فَائِدَة ثَانِيَة: كدى- بِالتَّصْغِيرِ-: جبل مُرْتَفع قريب من مَكَّة فِي صوب الْيمن، وَفِيه أَيْضا ثنية ضيقَة، وَهِي فِي ذهَاب الشَّخْص إِلَى جبل ثَوْر، وَلَيْسَ بلغةٍ كَمَا توهَّمَه بَعضهم..الحَدِيث الرَّابِع: «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا رَأَى الْبَيْت رفع يَدَيْهِ ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْت تَشْرِيفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابةً، وزِدْ من شرَّفَه وعظَّمَه ممَّنْ حَجَّه أَو اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبِرًّا».هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الشَّافِعِي أَنا سعيد بن سَالم، عَن ابْن جريج: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا رَأَى الْبَيْت رفع يَدَيْهِ وَقَالَ:اللَّهُمَّ...» فَذكره كَمَا سَاقه الرَّافِعِيّ، إِلَّا أَنه قَالَ بدل: «وعظمه»: «وَكَرمه» وَسَيَأْتِي بِلَفْظ: «وعظمه» أَيْضا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُنْقَطع. وَقَالَ ابْن الصّلاح وَالنَّوَوِيّ: مُرْسل معضل. وَقَالَ صَاحب الإِمام: معضل فِيمَا بَين ابْن جريج وَالنَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: هَكَذَا حدث بِهِ الشَّافِعِي مُنْقَطِعًا. وَقَالَ: لَيْسَ فِي رفع الْيَدَيْنِ شَيْء أكرهه وَلَا أستحبه عِنْد رُؤْيَة الْبَيْت وَهُوَ عِنْدِي حسن. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَأَنَّهُ لم يعْتَمد عَلَى الحَدِيث لانقطاعه.قلت: وَسَعِيد بن سَالم هُوَ القداح، وَقد علمتَ حَاله فِي أَوَاخِر الْبَاب قبله، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَله شَاهد مُرْسل عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن أبي سعيد الشَّامي، عَن مَكْحُول، قَالَ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل مَكَّة فَرَأَى الْبَيْت رفع يَدَيْهِ وَكبر وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام، فحيِّنا رَبنَا بِالسَّلَامِ، اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْت تَشْرِيفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة، وزد من حجه أَو اعتمره تَشْرِيفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبِرًّا».قلت: وَله شَاهد مُتَّصِل من حَدِيث حُذَيْفَة بن أسيد، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه عَن مُحَمَّد بن مُوسَى الْأَيْلِي الْمُفَسّر، ثَنَا عمر بن يَحْيَى الْأَيْلِي، نَا عَاصِم بن سُلَيْمَان الكوزي، عَن زيد بن أسلم، عَن أبي الطُّفَيْل، عَن حُذَيْفَة بن أسيد «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا نظر إِلَى الْبَيْت قَالَ: اللَّهُمَّ زد بَيْتك هَذَا تَشْرِيفًا وتعظيمًا وتكريمًا وبرًّا ومهابة». وَعَاصِم هَذَا كذبوه. وَفِي سنَن سعيد بن مَنْصُور: نَا مُعْتَمر بن سُلَيْمَان، حَدثنِي برد بن سِنَان أَبُو الْعَلَاء، قَالَ: سَمِعت عباد بن قسَامَة يَقُول: «إِذا رَأَيْت الْبَيْت فَقل: اللَّهُمَّ زد بَيْتك هَذَا تَشْرِيفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة، وزد من شرفه وعظمه وَكَرمه مِمَّن حجه واعتمره تَشْرِيفًا وتعظيمًا وتكريمًا وبرًّا» وفيهَا أَيْضا عَن سعيد بن الْمسيب، قَالَ: سَمِعت هَذَا من عمر، وَمَا بَقِي عَلَى الأَرْض سمع هَذَا مِنْهُ غَيْرِي «أَنه نظر إِلَى الْبَيْت فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام فحيِّنا رَبنَا بِالسَّلَامِ» وَفِي هَذَا إِثْبَات سَماع سعيد من عمر وَالْمَشْهُور خِلَافه.فَائِدَة: وَقع فِي مُخْتَصر الْمُزنِيّ ذكر المهابة فِي هَذَا الحَدِيث فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وغلطه الْأَصْحَاب فِي ذَلِك وَقَالُوا: إِنَّمَا يُقَال فِي الثَّانِي «وبرًّا» لِأَن المهابة تلِيق بِالْبَيْتِ وَالْبر يَلِيق بالإنسان، قَالَ الرَّافِعِيّ: وَالثَّابِت فِي الْخَبَر إِنَّمَا هُوَ الِاقْتِصَار عَلَى الْبر.قلت: أَيْن الثُّبُوت؟ فَالْحَدِيث فِي نَفسه رَوَاهُ الشَّافِعِي مُرْسلا ومعضلاً. وَوَقع فِي الْوَجِيز ذِكْر المهابة وَالْبر جَمِيعًا فِي الأول وَذكر الْبر وَحده ثَانِيًا، وَاعْتَرضهُ الرَّافِعِيّ فَقَالَ: لم يَرَ الْجمع بَينهمَا إِلَّا لَهُ، وَلَا ذكر لَهُ فِي الحَدِيث الْوَارِد بِهَذَا الدُّعَاء، وَلَا فِي كتب الْأَصْحَاب، وَالْبَيْت لَا يتَصَوَّر مِنْهُ بر، وَلَا يَصح إِطْلَاق هَذَا اللَّفْظ عَلَيْهِ إِلَّا أَن يَعْنِي الْبر عَلَيْهِ. وَأجَاب النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي تهذيبه: لإِطْلَاق الْبر عَلَى الْبَيْت وَجه صَحِيح وَهُوَ أَن يكون مَعْنَاهُ أَكثر زائريه، فبِرّه بزيارته كَمَا أَن من جملَة بِرّ الْوَالِدين والأقارب والأصدقاء زيارتهم واحترامهم. وَلَكِن الْمَعْرُوف مَا تقدم، وَقد رَوَى الْأَزْرَقِيّ فِي تَارِيخ مَكَّة حَدِيثا عَن مَكْحُول، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَنه كَانَ إِذا رَأَى الْبَيْت رفع يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْت تَشْرِيفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة وبِرًّا وزِدْ مَن شَرَّفه...» إِلَى آخِره، هَكَذَا ذكره، جمع أَولا بَين المهابة والبِرّ كَمَا وَقع فِي الْوَجِيز لَكِن هَذِه الرِّوَايَة مُرْسلَة، وَفِي إسنادها رجل مَجْهُول وَآخر ضَعِيف..الحديث الخَامِس: رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لقد حج هَذَا الْبَيْت سَبْعُونَ نبيًّا لَهُم، خلعوا نعَالهمْ من ذِي طوى تَعْظِيمًا للحرم».هَذَا الحَدِيث رُوِيَ بِمَعْنَاهُ من طَرِيقين:إِحْدَاهمَا: عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لقد مرّ بالصخرة من الروحاء سَبْعُونَ نبيًّا حُفَاة، عَلَيْهِم العباء يؤمُّونَ الْبَيْت الْعَتِيق فيهم مُوسَى» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه والعقيلي فِي تَارِيخ الضُّعَفَاء فِي تَرْجَمَة أبان الرَّقاشي، وَقَالَ: حَدثنِي آدم، قَالَ: سَمِعت البُخَارِيّ، قَالَ: أبان الرقاشِي، عَن أبي مُوسَى رَوَى عَنهُ يزِيد، وَلم يَصح حَدِيثه. قَالَ الْعقيلِيّ: والْحَدِيث هُوَ هَذَا.الطَّرِيق الثَّانِي: عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما مَوْقُوفا عَلَيْهِ، قَالَ: «كَانَت الْأَنْبِيَاء يدْخلُونَ الْحرم مشَاة حُفَاة يطوفون بِالْبَيْتِ ويقضون الْمَنَاسِك حُفَاة مشَاة» رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه كَذَلِك وَفِي إِسْنَاده مبارك بن حسان الْبَصْرِيّ وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ الْأَزْدِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث، لَا يحْتَج بِهِ، يُرْمَى بِالْكَذِبِ. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده عَلَى نمطٍ آخر فَقَالَ: ثَنَا وَكِيع، نَا زَمعَة بن صَالح، عَن سَلمَة بن وهرام، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: «لما مرّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بوادي عسفان حِين حج قَالَ: يَا أَبَا بكر، أَي وادٍ هَذَا؟ قَالَ: وَادي عسفان. قَالَ: لقد مرّ بِهِ هود وَصَالح عَلَى بكرات حمرٍ خطمها الليف، أزرهم العباء، وأرديتهم النمار، يلبون نَحْو الْبَيْت الْعَتِيق» وَزَمعَة ضعفه أَحْمد، وَأخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا بآخر، وَسَلَمَة بن وهرام مُخْتَلف فِيهِ، وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، وَضَعفه أَبُو دَاوُد، وَفِي علل ابْن أبي حَاتِم، عَن ابْن عمر قَالَ: «وقف رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعسفان، فَقَالَ: لقد مر بِهَذِهِ الْقرْيَة سَبْعُونَ نبيًّا، ثِيَابهمْ العباء، ونعالهم الخوص» قَالَ ابْن أبي حَاتِم: قَالَ أبي: هَذَا حَدِيث مَوْضُوع بِهَذَا الْإِسْنَاد.وَلما ذكر ابْن الرّفْعَة عَن النَّوَوِيّ اسْتِحْبَاب دُخُول مَكَّة حافيًا، قَالَ: وَهُوَ مَا ذكره فِي الْبَحْر عَن بعض النَّاس مستدلاًّ بقوله تَعَالَى لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: {اخلع نعليك} وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام: «لقد حج هَذَا الْبَيْت...» فَذكر الحَدِيث، وَهُوَ كَمَا ذكره عَن الْبَحْر، وَكَأَنَّهُ سقط شَيْء من الِاسْتِدْلَال وَأَصله لقَوْله تَعَالَى: {اخلع نعليك} الْآيَة..الحديث السَّادِس: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل الْمَسْجِد من بَاب بني شيبَة».هَذَا الحَدِيث قَالَ فِيهِ الْبَيْهَقِيّ بعد أَن بوب دُخُول الْمَسْجِد من بَاب بني شيبَة: وَرَوَى عَن ابْن عمر مَرْفُوعا فِي دُخُوله من بَاب بني شيبَة وَخُرُوجه من بَاب الخياطين. قَالَ: وَإِسْنَاده غير مَحْفُوظ.قلت: وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ وَلَفظه عَن عبد الله بن عمر، قَالَ: «دخل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ودخلنا مَعَه من بَاب بني عبد منَاف، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه النَّاس: بَاب بني شيبَة، وَخَرجْنَا مَعَه إِلَى الْمَدِينَة من بَاب الْحَزْوَرَة، وَهُوَ بَاب الخياطين» وَفِي إِسْنَاده عبد الله بن نَافِع وَقد ضَعَّفُوهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ورويناه عَن ابْن جريج عَن عَطاء قَالَ: «يدْخل الْمحرم من حَيْثُ شَاءَ، وَدخل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من بَاب بني شيبَة، وَخرج من بَاب بني مَخْزُوم إِلَى الصَّفَا» ثمَّ قَالَ- أَعنِي الْبَيْهَقِيّ-: هَذَا مُرْسل جيد.وصَدَّرَ الْبَاب بِحَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «لما أَن هُدِم الْبَيْت بعد جُرْهم بَنَتْه قُرَيْش، فَلَمَّا أَرَادوا وضع الْحجر تشاجروا، من يَضَعهُ؟ فاتفقوا أَن يَضَعهُ أول من يدْخل من هَذَا الْبَاب، فَدخل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من بَاب بني شيبَة فَأمر بِثَوْب فَوضع الْحجر فِي وَسطه، وَأمر كلَّ فَخذ أَن يَأْخُذُوا بطائفةٍ من الثَّوْب فيرفعوه وَأَخذه رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوَضعه» ثمَّ عقبه بِحَدِيث ابْن عَبَّاس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لما قدم فِي عهد قُرَيْش دخل من هَذَا الْبَاب الْأَعْظَم، وَقد جَلَست قُرَيْش مِمَّا يَلِي الْحجر»..الحديث السَّابِع: «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حج فَأول شَيْء بَدَأَ بِهِ حِين قدم أَن تَوَضَّأ ثمَّ طَاف بِالْبَيْتِ».هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من رِوَايَة عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها مطولا..الحديث الثَّامِن: «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل مَكَّة عَام الْفَتْح غير محرم».هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل مَكَّة يَوْم الْفَتْح وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء بِغَيْر إِحْرَام» هَذَا لفظ إِحْدَى رِوَايَات مُسلم، وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل مَكَّة عَام الْفَتْح وَعَلَى رَأسه المِغْفر» قَالَ مَالك: وَلم يكن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا نرَى، وَالله أعلم- محرما. وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ ذكر هَذَا الحَدِيث دَلِيلا عَلَى أَن الْخَائِف من الْقِتَال وَنَحْوه لَا يلْزمه الْإِحْرَام، وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ؛ فَإِن من خَصَائِصه عَلَيْهِ السَّلَام دُخُول مَكَّة بِغَيْر إِحْرَام، كَمَا ذكره صَاحب التَّلْخِيص وَغَيره وَالْخلاف فِي حق غَيره..الحديث التَّاسِع: أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الطّواف بِالْبَيْتِ مثل الصَّلَاة إِلَّا أَنكُمْ تتكلمون فِيهِ؛ فَمن تكلم فَلَا يتَكَلَّم إِلَّا بِخَير».هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي بَاب الْأَحْدَاث، فَرَاجعه من ثمّ..الحديث العَاشِر: أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَوْلَا حدثان قَوْمك بالشرك لهدمت الْبَيْت ولبنيته عَلَى قَوَاعِد إِبْرَاهِيم، فَأَلْصَقته بِالْأَرْضِ وَجعلت لَهُ بَابَيْنِ شرقيًّا وغربيًّا».هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «سَأَلت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْحجر: أهوَ من الْبَيْت؟ قَالَ: نعم. قلت: فَمَا لَهُم لم يدخلوه فِي الْبَيْت؟! قَالَ: إِن قَوْمك قصرت بهم النَّفَقَة. قلت: فَمَا شَأْن بَابه مرتفعًا؟ قَالَ: فعل ذَلِك قَوْمك ليدخلوا من شَاءُوا ويمنعوا من شَاءُوا وَلَوْلَا أَن قَوْمك حَدِيث عَهدهم بالجاهلية وأخاف أَن ينكروا أَن أَدخل الْجدر فِي الْبَيْت وَأَن ألصق بَابه بِالْأَرْضِ» وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «الحِجْر» بدل «الْجدر» والجَدْر بِفَتْح الْجِيم وَإِسْكَان الدَّال الْمُهْملَة: الحِجْر وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لعَائِشَة: لَوْلَا أَن قَوْمك حَدِيث عَهدهم بجاهلية لأمرت بِالْبَيْتِ فهُدِم فأُدْخِل فِيهِ مَا أُخْرِج مِنْهُ وأَلْزَقْته بِالْأَرْضِ، وَجعلت لَهُ بَابَيْنِ: بَابا شرقيًّا وبابًا غربيًّا، وَبَلغت بِهِ أساس إِبْرَاهِيم» وَفِي رِوَايَة لمُسلم عَنْهَا، قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «لَوْلَا أَن قَوْمك حديثو عهدٍ بجاهلية- أَو قَالَ بِكفْر- لأنفقت كنز الْكَعْبَة فِي سَبِيل الله، ولجعلت بَابهَا بِالْأَرْضِ، ولأدخلت فِيهَا الحِجْر» وَفِي رِوَايَة لَهُ أَيْضا: «يَا عَائِشَة، لَوْلَا أَن قَوْمك حديثو عهد بشرك لنقَضْتُ الْكَعْبَة فألزقتها بِالْأَرْضِ، وَجعلت لَهَا بَابَيْنِ: بَابا شرقيًّا وبابًا غربيًّا، وزدت فِيهَا سِتَّة أَذْرع من الحِجْر؛ فَإِن قُريْشًا اقتصرتها حِين بنت الْكَعْبَة» وَفِي رِوَايَة «خمس أَذْرع» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِن قَوْمك استقصروا من بُنيان الْبَيْت وَلَوْلَا حَدَاثَة عَهدهم بالشرك أعدت مَا تركُوا مِنْهُ، فَإِن بدا لقَوْمك من بعدِي أَن يبنوه فهلمي لأريك مَا تركُوا مِنْهُ. فأراها قَرِيبا من سَبْعَة أَذْرع».
|